بحـث
المواضيع الأخيرة
مايو 2024
الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت | الأحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | 4 | 5 | ||
6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 |
13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 |
20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 |
27 | 28 | 29 | 30 | 31 |
سقوط غرناطة
صفحة 1 من اصل 1
سقوط غرناطة
سقوط غرناطة
كان بقاء مملكة غرناطة الإسلامية في الأندلس قرنين من الزمان معجزة من معجزات الإسلام .
فهذه الجزيرة الإسلامية العائمة فوق بحر الصليبية المتلاطم الأمواج والطافح بالحقد والمكر التاريخيين .. هذه الجزيرة ما كان لها أن تصمد صمودها المشهور إلا لأن طبيعة الصمود كامنة في العقيدة والمبادئ الإسلامية . وبدون العقيدة الإسلامية .. ما كان لهذه الجزيرة أن تصمد وحدها في الأندلس بعد أن سقطت كل المدن والقلاع الإسلامية منذ قرنين من الزمان .
كان قانون " الاستجابة للتحدي " هو الذي أبقى غرناطة حية زاخرة بالفكر الإسلامي والرقي الحضاري هذين القرنين .. وكان شعور الغرناطيين بأنهم أمام عدو محيط بهم من كل جانب ، ينتظر الفرصة لالتهامهم ، وبأنه لا أمل لهم في استيراد النصر من العالم الإسلامي ، وبأنه لا بد لهم من الاعتماد على أنفسهم .. كان هذا الشعور باعثهم الأكبر على الاستعداد الدائم .؟ ورفع راية الجهاد والتمسك بإسلامهم .
وبهذا نجحت غرناطة في أن تظل إلى سنة 1492م ( 897 هـ) سيدة الأندلس الإسلامي ومنارة العلوم وشعلة الحضارة الإسلامية الباقية في أوربا .
لكن الأعوام القريبة من عام السقوط شهدت تطورا في الحياة الأندلسية .. فعلى المستوى النصراني بدأ " اتحاد " كبير يضم أكبر مملكتين مسيحيتين مناوئتين للإسلام .. وهما مملكتا أرجوان وقشتالة ، وقد اندمج الاثنان في اتحاد توجاه بزواج " إيزابيلا " ملكة قشتالة من " فرناند " ملك أرجوان .. وكان الحلم الذي يراود الزوجين الملكين الكاثوليكيين ليلة زفافهما هو دخول غرناطة .. وقضاء شهر عسلهما في الحمراء ، ورفع الصليب فوق برج الحراسة في غرناطة - أكبر أبراجها - وعلى المستوى الإسلامي .. كان " خلاف " كبير قد دب داخل مملكة غرناطة ولا سيما بين أبناء الأسرة الحاكمة ، وتم تقسيم مملكة غرناطة المحدودة قسمين ، يهدد كل قسم منهما الآخر ويقف له بالمرصاد .. قسم في العاصمة الكبيرة ( غرناطة ) يحكمه أبو عبد الله محمد علي أبو الحسن النصري ( آخر ملوك غرناطة ) وقسم في ( وادي آش ) وأعمالها يحكمه عمه أبو عبد الله محمد المعروف بالزغل .
وقد بدأ الملكان الكوثوليكيان هجومهما على ( وادي آش ) سنة 894 هـ ، ونجحا في الاستيلاء على وادي آش وألمرية وبسطة .. وغيرها ، بحيث أصبحا على مشارف مدينة غرناطة .
وقد أرسلا إلى السلطان أبي عبد الله النصري يطلبان منه تسليم مدينة الحمراء الزاهرة ، وأن يبقى هو حيا في غرناطة تحت حمايتها .. وكما هي العادة في الملوك الذين يركبهم التاريخ وهو يدور إحدى دوراته ، كان هذا الملك ضعيفا .. لم يحسب حسابا لذلك اليوم .. ولقد عرف أن هذا الطلب إنما يعني الاستسلام بالنسبة لآخر ممالك الإسلام في الأندلس فرفض الطلب ودارت الحرب بين المسلمين والنصارى واستمرت عامين .. يقودها ويشعل الحمية في نفوس المقاتلين فيها فارس إسلامي من هؤلاء الذين يظهرون كلمعة الشمس قبل الغروب " موسى بن أبي الغسان " .
وبفضل هذا الفارس وأمثاله وقفت غرناطة في وجه الملكين الكاثوليكيين عامين وتحملت حصارهما سبعة أشهر ..
لكن مع ذلك .. لم يكن ثمة شك في نهاية الصراع .. فأبو عبد الله الذي لم يحفظ ملكه حفظ الرجال . والانقسام العائلي والخلاف الداخلي في المملكة في مقابل اتحاد تام في الجبهة المسيحية .. مضافا إلى ذلك حصاد تاريخ طويل من الضياع والقومية الجاهلية والصراع بعيدا عن الإسلام .. عاشته غرناطة وورثته مما ورثته عن الممالك الإسلامية الإسبانية الساقطة .
كل هذه العوامل قد عملت على إطفاء آخر شمعة إسلامية في الأندلس .
وعندما كان أبو عبد الله ( آخر ملوك غرناطة هذا ) يركب سفينته مقلعا عن غرناطة الإسلامية ، مودعا آخر أرض تنفست في مناخ إسلامي في أوروبا بعد ثمانية قرون عاشتها في ظلال الإسلام ...
في هذا الموقف الدرامي العنيف .. بكى أبو عبد الله ملكه " وملك الإسلام المضاع، وتلقى من أمه الكلمات التي حفظها التاريخ ( ابك مثل النساء ملكا لم تحفظه حفظ الرجال ) .
والحق أن أمه بكلمتها تلك ، إنما كانت تلطمه وتلطم حكاما في الإسلام كثيرين .. بكوا مثل النساء ملكا لم يحفظوه حفظ الرجال !!! .
وسقط ملوك الطوائف
عندما أوشكت الخلافة الأموية في الأندلس على السقوط ، لم تسقط دفعة واحدة .
لقد جرى عليها ما جرى على الفاطميين بعد ذلك في مصر ، وما جرى على المماليك أيضا .. لقد ضاعت الزعامة منهم عبر انقلاب سلمي لم ترق فيه قطرة دم - بالمعنى المباشر للانقلابات الدموية - !!
لقد ولي أمر الخلافة طفل في السابعة من عمره يدعى " هشاما " ولما لم يكن بإمكانه حكم البلاد ، فقد كانت أمه " صبح " وصية عليه ، ولم تستطع صبح هذه أن تنفرد بالسلطة ، فقد أشركت معها في الأمر رجلا من أغرب الرجال وأقدرهم يدعى " المنصور بن أبى عامر " ..
وقد نجح هذا المنصور في أن يعبر الانقلاب السلمي بنجاح ، ويحول الخلافة الأموية في الأندلس إلى ملك ينتسب إليه ، ويرثه أبناؤه من بعده !! وإن كان لبني أمية الاسم الرمزي والخلافة الصورية .
ولم يمض أكثر من أربعين سنة حتى كانت دولة العامريين قد أصبحت آخر ومضة تمثلت فيها دولة الخلافة الأموية في الأندلس ، وبسقوط دولة العامريين التي قامت على غير أساس ، انفرط عقد الأندلس ، وظهر بهذه الأرض الطيبة عصر من أضعف وأردأ ما عرف المسلمون من عصور الضعف والتفكك والضياع .
لقد ورث خلافة الأمويين أكثر من عشرين حاكما في أكثر من عشرين مقاطعة أو مدينة ، وقد انقسم هؤلاء الحكام إلى بربر وصقالبة وعرب ، وكانت بينهم حروب قومية لم يخمد أوارها طيلة السنوات التي حكموا فيها ، ولقد ترك هؤلاء الملوك المستذلون الضعاف الملوك النصارى يعيشون بهم ويتقدمون في بلادهم ، وانشغلوا هم بحروبهم الداخلية ، وباستعداء النصارى ضد بعضهم البعض ، وتسابقوا على كسب النصارى ، وامتهنوا في ذلك كرامتهم وكرامة الإسلام ، فدفعوا الجزية وتنازلوا طوعا عن بعض مدنهم للنصارى ، وحاربوا في جيوش النصارى ضد المسلمين من إخوانهم في المدن الأخرى من أرض الأندلس الإسلامية .
ولا يستطيع المرء أن يزعم أن باستطاعته أن يحصي كل مساوئ الفترة المسماة بفترة ملوك الطوائف .
ولقد أدى التنافس بين هؤلاء الملوك إلى رفعة منزلة الشعراء والأدباء والمطربين ، ولم يكن ذلك حبا في الأدب ، ولا إعجابا بفن الطرب ، وإنما كان ذلك من جملة أساليبهم في حرب بعضهم البعض ، وفي محاولة تحصيل المجد والشهرة المزيفين.
وقد اشتهر من بين هؤلاء الملوك المتنافسين أسرة بني عباد ، التي نبغ فيها المعتمد بن عباد كأمير مشهور عاطفي ، وكشاعر كبير ذي قلم سيال !!
ولقد استفحل الخلاف والتنافس بين هؤلاء الملوك ، كما استفحل كذلك ضعف كل منهم ، وكان من نتائج ذلك طمع النصارى في إشبيلية وفي المدن الأندلسية الأخرى .
ولئن كان للمعتمد بن عباد من فضل ، فإن ذلك الفضل لن يكون إلا في محاولته مقاومة هذا الخطر حين رأى دنوه من أبواب المسلمين .
ولم يكن أمامه من مخرج غير الاستعانة بقوة المغرب العربي .. فاستعان بالمرابطين في المغرب الأقصى ، وعندما كان بقية ملوك الطوائف يبدون خشيتهم من المعتمد ، قال لهم كلمته المشهورة : " لأن أرعى الجمال في صحراء العرب خير من أرعى الخنازير في أرض الصليبيين " .
ولقد تقدم زعيم المرابطين يوسف بن تاشفين فعبر البحر و ( جبل طارق ) لنجدة المسلمين في الأندلس وحقق في ( معركة الزلاقة ) سنة 479 هـ ( 1086 م ) انتصارا كبيرا ساحقا على النصارى كان من أثره مد عمر الإسلام في الأندلس فترة أخرى من الزمن .
ولقد تبين ليوسف بن تاشفين بعد ذلك أن ملوك الطوائف هؤلاء ليسوا أهلا للبقاء في مراكز السلطة في الأندلس ، وجاءته النداءات والفتاوى من العلماء كالغزالي بوجوب الاستيلاء على الأندلس فاستولى على الأندلس وأعاد إليها وحدتها ، وطرد هؤلاء الطائفيين الذين كانوا يخشون قدومه ، ويفضل بعضهم النصارى عليه .
وفي مدينة ( أغمات ) بالمغرب الأقصى عاش ( ابن عباد ) أشهر ملوك الطوائف بقية أيامه فقيرا ذليلا لا يجد ما يكفيه !!
إن هذه هي النتيجة الطبيعية لكل ملوك طوائف في كل عصر ، فالذين يخشون الموت سيموتون قبل غيرهم ، والذين يحسبون للفقر حسابه مضحين بكرامة دينهم ووجود أمتهم .. سوف يصيبهم الفقر من حيث لا يشعرون .
ولقد نسي ملوك الطوائف هذه الحقائق .. فنغص الله كل شيء عليهم حتى الموت ، كما قال ابن صمادح الطائفي حاكم ( ألمرية ) وهو يحتضر ويسمع أصداء الهجوم على قصره ، فليبحث ملوك الطوائف في كل عصر عن الحياة ، حتى لا يبحثوا ذات يوم عن الموت فلا يجدوه ، وحتى لينغص الله عليهم كل شيء حتى الموت .. فتلك سنة الله .
كان بقاء مملكة غرناطة الإسلامية في الأندلس قرنين من الزمان معجزة من معجزات الإسلام .
فهذه الجزيرة الإسلامية العائمة فوق بحر الصليبية المتلاطم الأمواج والطافح بالحقد والمكر التاريخيين .. هذه الجزيرة ما كان لها أن تصمد صمودها المشهور إلا لأن طبيعة الصمود كامنة في العقيدة والمبادئ الإسلامية . وبدون العقيدة الإسلامية .. ما كان لهذه الجزيرة أن تصمد وحدها في الأندلس بعد أن سقطت كل المدن والقلاع الإسلامية منذ قرنين من الزمان .
كان قانون " الاستجابة للتحدي " هو الذي أبقى غرناطة حية زاخرة بالفكر الإسلامي والرقي الحضاري هذين القرنين .. وكان شعور الغرناطيين بأنهم أمام عدو محيط بهم من كل جانب ، ينتظر الفرصة لالتهامهم ، وبأنه لا أمل لهم في استيراد النصر من العالم الإسلامي ، وبأنه لا بد لهم من الاعتماد على أنفسهم .. كان هذا الشعور باعثهم الأكبر على الاستعداد الدائم .؟ ورفع راية الجهاد والتمسك بإسلامهم .
وبهذا نجحت غرناطة في أن تظل إلى سنة 1492م ( 897 هـ) سيدة الأندلس الإسلامي ومنارة العلوم وشعلة الحضارة الإسلامية الباقية في أوربا .
لكن الأعوام القريبة من عام السقوط شهدت تطورا في الحياة الأندلسية .. فعلى المستوى النصراني بدأ " اتحاد " كبير يضم أكبر مملكتين مسيحيتين مناوئتين للإسلام .. وهما مملكتا أرجوان وقشتالة ، وقد اندمج الاثنان في اتحاد توجاه بزواج " إيزابيلا " ملكة قشتالة من " فرناند " ملك أرجوان .. وكان الحلم الذي يراود الزوجين الملكين الكاثوليكيين ليلة زفافهما هو دخول غرناطة .. وقضاء شهر عسلهما في الحمراء ، ورفع الصليب فوق برج الحراسة في غرناطة - أكبر أبراجها - وعلى المستوى الإسلامي .. كان " خلاف " كبير قد دب داخل مملكة غرناطة ولا سيما بين أبناء الأسرة الحاكمة ، وتم تقسيم مملكة غرناطة المحدودة قسمين ، يهدد كل قسم منهما الآخر ويقف له بالمرصاد .. قسم في العاصمة الكبيرة ( غرناطة ) يحكمه أبو عبد الله محمد علي أبو الحسن النصري ( آخر ملوك غرناطة ) وقسم في ( وادي آش ) وأعمالها يحكمه عمه أبو عبد الله محمد المعروف بالزغل .
وقد بدأ الملكان الكوثوليكيان هجومهما على ( وادي آش ) سنة 894 هـ ، ونجحا في الاستيلاء على وادي آش وألمرية وبسطة .. وغيرها ، بحيث أصبحا على مشارف مدينة غرناطة .
وقد أرسلا إلى السلطان أبي عبد الله النصري يطلبان منه تسليم مدينة الحمراء الزاهرة ، وأن يبقى هو حيا في غرناطة تحت حمايتها .. وكما هي العادة في الملوك الذين يركبهم التاريخ وهو يدور إحدى دوراته ، كان هذا الملك ضعيفا .. لم يحسب حسابا لذلك اليوم .. ولقد عرف أن هذا الطلب إنما يعني الاستسلام بالنسبة لآخر ممالك الإسلام في الأندلس فرفض الطلب ودارت الحرب بين المسلمين والنصارى واستمرت عامين .. يقودها ويشعل الحمية في نفوس المقاتلين فيها فارس إسلامي من هؤلاء الذين يظهرون كلمعة الشمس قبل الغروب " موسى بن أبي الغسان " .
وبفضل هذا الفارس وأمثاله وقفت غرناطة في وجه الملكين الكاثوليكيين عامين وتحملت حصارهما سبعة أشهر ..
لكن مع ذلك .. لم يكن ثمة شك في نهاية الصراع .. فأبو عبد الله الذي لم يحفظ ملكه حفظ الرجال . والانقسام العائلي والخلاف الداخلي في المملكة في مقابل اتحاد تام في الجبهة المسيحية .. مضافا إلى ذلك حصاد تاريخ طويل من الضياع والقومية الجاهلية والصراع بعيدا عن الإسلام .. عاشته غرناطة وورثته مما ورثته عن الممالك الإسلامية الإسبانية الساقطة .
كل هذه العوامل قد عملت على إطفاء آخر شمعة إسلامية في الأندلس .
وعندما كان أبو عبد الله ( آخر ملوك غرناطة هذا ) يركب سفينته مقلعا عن غرناطة الإسلامية ، مودعا آخر أرض تنفست في مناخ إسلامي في أوروبا بعد ثمانية قرون عاشتها في ظلال الإسلام ...
في هذا الموقف الدرامي العنيف .. بكى أبو عبد الله ملكه " وملك الإسلام المضاع، وتلقى من أمه الكلمات التي حفظها التاريخ ( ابك مثل النساء ملكا لم تحفظه حفظ الرجال ) .
والحق أن أمه بكلمتها تلك ، إنما كانت تلطمه وتلطم حكاما في الإسلام كثيرين .. بكوا مثل النساء ملكا لم يحفظوه حفظ الرجال !!! .
وسقط ملوك الطوائف
عندما أوشكت الخلافة الأموية في الأندلس على السقوط ، لم تسقط دفعة واحدة .
لقد جرى عليها ما جرى على الفاطميين بعد ذلك في مصر ، وما جرى على المماليك أيضا .. لقد ضاعت الزعامة منهم عبر انقلاب سلمي لم ترق فيه قطرة دم - بالمعنى المباشر للانقلابات الدموية - !!
لقد ولي أمر الخلافة طفل في السابعة من عمره يدعى " هشاما " ولما لم يكن بإمكانه حكم البلاد ، فقد كانت أمه " صبح " وصية عليه ، ولم تستطع صبح هذه أن تنفرد بالسلطة ، فقد أشركت معها في الأمر رجلا من أغرب الرجال وأقدرهم يدعى " المنصور بن أبى عامر " ..
وقد نجح هذا المنصور في أن يعبر الانقلاب السلمي بنجاح ، ويحول الخلافة الأموية في الأندلس إلى ملك ينتسب إليه ، ويرثه أبناؤه من بعده !! وإن كان لبني أمية الاسم الرمزي والخلافة الصورية .
ولم يمض أكثر من أربعين سنة حتى كانت دولة العامريين قد أصبحت آخر ومضة تمثلت فيها دولة الخلافة الأموية في الأندلس ، وبسقوط دولة العامريين التي قامت على غير أساس ، انفرط عقد الأندلس ، وظهر بهذه الأرض الطيبة عصر من أضعف وأردأ ما عرف المسلمون من عصور الضعف والتفكك والضياع .
لقد ورث خلافة الأمويين أكثر من عشرين حاكما في أكثر من عشرين مقاطعة أو مدينة ، وقد انقسم هؤلاء الحكام إلى بربر وصقالبة وعرب ، وكانت بينهم حروب قومية لم يخمد أوارها طيلة السنوات التي حكموا فيها ، ولقد ترك هؤلاء الملوك المستذلون الضعاف الملوك النصارى يعيشون بهم ويتقدمون في بلادهم ، وانشغلوا هم بحروبهم الداخلية ، وباستعداء النصارى ضد بعضهم البعض ، وتسابقوا على كسب النصارى ، وامتهنوا في ذلك كرامتهم وكرامة الإسلام ، فدفعوا الجزية وتنازلوا طوعا عن بعض مدنهم للنصارى ، وحاربوا في جيوش النصارى ضد المسلمين من إخوانهم في المدن الأخرى من أرض الأندلس الإسلامية .
ولا يستطيع المرء أن يزعم أن باستطاعته أن يحصي كل مساوئ الفترة المسماة بفترة ملوك الطوائف .
ولقد أدى التنافس بين هؤلاء الملوك إلى رفعة منزلة الشعراء والأدباء والمطربين ، ولم يكن ذلك حبا في الأدب ، ولا إعجابا بفن الطرب ، وإنما كان ذلك من جملة أساليبهم في حرب بعضهم البعض ، وفي محاولة تحصيل المجد والشهرة المزيفين.
وقد اشتهر من بين هؤلاء الملوك المتنافسين أسرة بني عباد ، التي نبغ فيها المعتمد بن عباد كأمير مشهور عاطفي ، وكشاعر كبير ذي قلم سيال !!
ولقد استفحل الخلاف والتنافس بين هؤلاء الملوك ، كما استفحل كذلك ضعف كل منهم ، وكان من نتائج ذلك طمع النصارى في إشبيلية وفي المدن الأندلسية الأخرى .
ولئن كان للمعتمد بن عباد من فضل ، فإن ذلك الفضل لن يكون إلا في محاولته مقاومة هذا الخطر حين رأى دنوه من أبواب المسلمين .
ولم يكن أمامه من مخرج غير الاستعانة بقوة المغرب العربي .. فاستعان بالمرابطين في المغرب الأقصى ، وعندما كان بقية ملوك الطوائف يبدون خشيتهم من المعتمد ، قال لهم كلمته المشهورة : " لأن أرعى الجمال في صحراء العرب خير من أرعى الخنازير في أرض الصليبيين " .
ولقد تقدم زعيم المرابطين يوسف بن تاشفين فعبر البحر و ( جبل طارق ) لنجدة المسلمين في الأندلس وحقق في ( معركة الزلاقة ) سنة 479 هـ ( 1086 م ) انتصارا كبيرا ساحقا على النصارى كان من أثره مد عمر الإسلام في الأندلس فترة أخرى من الزمن .
ولقد تبين ليوسف بن تاشفين بعد ذلك أن ملوك الطوائف هؤلاء ليسوا أهلا للبقاء في مراكز السلطة في الأندلس ، وجاءته النداءات والفتاوى من العلماء كالغزالي بوجوب الاستيلاء على الأندلس فاستولى على الأندلس وأعاد إليها وحدتها ، وطرد هؤلاء الطائفيين الذين كانوا يخشون قدومه ، ويفضل بعضهم النصارى عليه .
وفي مدينة ( أغمات ) بالمغرب الأقصى عاش ( ابن عباد ) أشهر ملوك الطوائف بقية أيامه فقيرا ذليلا لا يجد ما يكفيه !!
إن هذه هي النتيجة الطبيعية لكل ملوك طوائف في كل عصر ، فالذين يخشون الموت سيموتون قبل غيرهم ، والذين يحسبون للفقر حسابه مضحين بكرامة دينهم ووجود أمتهم .. سوف يصيبهم الفقر من حيث لا يشعرون .
ولقد نسي ملوك الطوائف هذه الحقائق .. فنغص الله كل شيء عليهم حتى الموت ، كما قال ابن صمادح الطائفي حاكم ( ألمرية ) وهو يحتضر ويسمع أصداء الهجوم على قصره ، فليبحث ملوك الطوائف في كل عصر عن الحياة ، حتى لا يبحثوا ذات يوم عن الموت فلا يجدوه ، وحتى لينغص الله عليهم كل شيء حتى الموت .. فتلك سنة الله .
ولن تجد لسنة الله تبديلا ...
mobilismobilis- جديد
- عدد الرسائل : 21
تاريخ التسجيل : 17/10/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء 18 مايو 2010, 22:05 من طرف attabiayoub
» الردة و التشيع و العلمانية في الجزائر
الثلاثاء 18 مايو 2010, 22:03 من طرف attabiayoub
» الردة و التشيع في الجزائر
الثلاثاء 18 مايو 2010, 22:02 من طرف attabiayoub
» الاسلام في الجزائر
الجمعة 09 أبريل 2010, 17:34 من طرف hakim86
» شرح حديث من رأى منكم منكرا فليغيره
الإثنين 31 أغسطس 2009, 00:45 من طرف attabiayoub
» كما حررت الجزائر تحرر فلسطين
الخميس 06 أغسطس 2009, 19:45 من طرف hakim86
» أصغر إرهابي فلسطيني
الخميس 06 أغسطس 2009, 18:43 من طرف hakim86
» سقوط غرناطة
الخميس 23 يوليو 2009, 19:29 من طرف mobilismobilis
» ركن الفردوس يسقط
الخميس 23 يوليو 2009, 19:29 من طرف mobilismobilis